الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القواعد الفقهية ***
هَذِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. فَمِثَالُ مَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى - فَيُقَابَلُ كُلُّ فَرْدٍ كَامِلٍ بِفَرْدٍ يُقَابِلُهُ إمَّا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ أَوْ دَلَالَةِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا لِاسْتِحَالَةِ مَا سِوَاهُ - أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَإِذَا أَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا طَلُقَتْ لِاسْتِحَالَةِ أَكْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِلرَّغِيفَيْنِ أَوْ يَقُولَ لِعَبْدَيْهِ: إنْ رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا أَوْ لَبِسْتُمَا ثَوْبَيْكُمَا أَوْ تَقَلَّدْتُمَا سَيْفَيْكُمَا أَوْ اعْتَقَلْتُمَا رُمْحَكُمَا أَوْ دَخَلْتُمَا بِزَوْجَتَيْكُمَا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، فَمَتَى وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُكُوبُ دَابَّتِهِ أَوْ لُبْسُ ثَوْبٍ أَوْ تَقَلُّدُ سَيْفِهِ أَوْ رُمْحِهِ أَوْ الدُّخُولُ بِزَوْجَتِهِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَذَا عُرْفِيٌّ وَفِي بَعْضِهِ شَرْعِيٌّ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. وَمِثَالُ مَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ كَلَّمْتُمَا زَيْدًا أَوْ كَلَّمْتُمَا عَمْرًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَلَا يُطَلَّقَانِ حَتَّى تُكَلِّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَيْدًا وَعَمْرًا. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِ التَّوْزِيعَيْنِ فَهَلْ يُحْمَلُ التَّوْزِيعُ عِنْدَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُوَزِّعُ كُلٌّ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى إذَا أَمْكَنَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الظِّهَارِ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَذَلِكَ لَا يُذْكَرُ الْخِلَافُ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَيَجِبُ طَرْدُهُ فِي سَائِرِهَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (فَمِنْهَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْلِيلِ مَسْحِهِ الْخُفَّيْنِ «إنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْخَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ قَدَمَيْهِ الْخُفَّيْنِ وَكُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَاهِرَةٌ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْخَلَ كُلَّ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَكُلُّ قَدَمٍ فِي حَالِ إدْخَالِهَا طَاهِرَةٌ. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَا إذَا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ فَعَلَى التَّوْزِيعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَوْزِيعُ الْمُفْرَدِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ إدْخَالِ الرِّجْلِ الْأُولَى الْخُفَّ لَمْ يَكُنْ الرِّجْلَانِ طَاهِرَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ تَوْزِيعُ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ يَصِحُّ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَكِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَتَبَعَّضُ وَأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الطَّهَارَةِ بِمَنْعِ طَهَارَةِ الرِّجْلِ الْأُولَى عِنْدَ دُخُولِ الْخُفِّ نَعَمْ وُجِدَتْ طَهَارَتُهُمَا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ. (وَمِنْهَا) مَسْأَلَةُ: مُدِّ عَجْوَةٍ وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ بِنَفْسِهَا فَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا مَضْمُونَهَا مُلَخَّصًا: إذَا بَاعَ رِبَوِيًّا بِجِنْسِهِ وَمَعَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدِّ عَجْوَةٍ أَوْ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَلَهُ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَسْلَكُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَهَذَا يُؤَدِّي هَاهُنَا إمَّا إلَى يَقِينِ التَّفَاضُلِ وَإِمَّا إلَى الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَكِلَاهُمَا مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ يُسَاوِيَانِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ مُدٍّ وَيَبْقَى مُدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ وَثُلُثُ ذَلِكَ رِبًا وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ بِمُدَّيْنِ يُسَاوِينَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَتَقَابَلُ الدِّرْهَمَانِ بِمُدٍّ وَثُلُثِ مُدٍّ وَيَبْقَى ثُلُثَا مُدٍّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ، وَأَمَّا إنْ فُرِضَ التَّسَاوِي كَمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا، وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَدِرْهَم فَإِنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَعَهُ الْمُسَاوَاةُ وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي هَاهُنَا كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُدَّيْنِ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ زَرْعٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ نَقْدٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَتَغَيَّرَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ وَحْدَهُ وَصَحَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ الْمَنْعَ قَالَ؛ لِأَنَّا لَا نُقَابِلُ مُدًّا بِمُدٍّ وَدِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ بَلْ نُقَابِلُ مُدًّا بِنِصْفِ مُدٍّ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا لَاسْتُرِدَّ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي قَائِمٌ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيرِهِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. وَهُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْقَسِمَ هُوَ قِيمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الْمُثْمَنِ [لَا إجْرَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى قِيمَةِ الْآخَرِ فَفِيمَا إذَا بَاعَ مُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ يُسَاوَيَانِ ثَلَاثَةً لَا نَقُولُ دِرْهَمٌ مُقَابَلٌ بِثُلُثَيْ مُدٍّ بَلْ نَقُولُ ثُلُثُ الثَّمَنِ مُقَابَلٌ بِثُلُثِ الْمُثَمَّنِ فَنُقَابِلُ ثُلُثَ الْمُدَّيْنِ بِثُلُثِ مُدٍّ وَثُلُثِ دِرْهَمٍ وَنُقَابِلُ ثُلُثَ الْمُدَّيْنِ بِثُلُثَيْ مُدٍّ وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ فَلَا تَنْفَكُّ مُقَابَلَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمُدَّيْنِ بِجُزْءٍ مِنْ الْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ] مُقَابِلٌ لِثُلُثِ الْمُثَمَّنِ فَيُقَابِلُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ ثُلُثَ مُدٍّ وَثُلُثَ دِرْهَمٍ وَيُقَابِلُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ بِثُلُثَيْ مُدٍّ وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ فَلَا يَنْفَكُّ مُقَابَلَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمُدَّيْنِ بِجُزْءٍ مِنْ الْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ. وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَأَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، نَعَمْ نَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يُقَابِلُ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْمُدَّ مِنْ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى إذَا ظَهَرَ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَقًّا أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَرُدَّ مَا قَابَلَهُ مِنْ عِوَضِهِ حَيْثُ كَانَ الْمَرْدُودُ هَاهُنَا مُعَيَّنًا مُفْرَدًا، أَمَّا مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَاسْتِدَامَتِهِ فَإِنَّا نُوَزِّعُ أَجْزَاءَ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُثَمَّنِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُفَاضَلَةُ الْمُتَيَقَّنَةُ كَمَا ذَكَرُوهُ مُنْتَفِيَةٌ، وَأَمَّا إنَّ الْمُسَاوَاةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فُقِدَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَبَقَ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الرِّبَا. فَإِنَّ اتِّخَاذَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ وَاقِعٌ كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ جَعْلًا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَمُنِعَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا مَقْصُودَيْنِ حَسْمًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ، وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَى هَذَا الْمَأْخَذِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الرِّبَوِيِّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَكِنَّ الْمُفْرَدَ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ جَعْلًا لِغَيْرِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ وَفِي مُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسَّامِرِيِّ مَنْ يَشْتَرِطُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ التَّسَاوِي جَعْلًا لِكُلِّ جِنْسٍ فِي مُقَابَلَةِ جِنْسِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِهِ لَاسِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْقِيمَةِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ التَّوْزِيعُ هَاهُنَا لِلْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى هُوَ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْجُمَلِ أَوْ تَوْزِيعِ الْجُمَلِ عَلَى الْجُمَلِ، وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ. وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَلَّى بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي بَيْعِهِ بِنَقْدٍ آخَرَ رِوَايَتَانِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَرْضٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيِّ فِي كِتَابِ الْمُقْتَدَى، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِ جِنْسِهِ كَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالتَّمِيمِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ كَابْنِ أَبِي مُوسَى وَنَقَلَ البرزاطي عَنْ أَحْمَدَ مَا يَشْهَدُ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي حُلِيٍّ صُنِعَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ وَمِائَةٍ نُحَاسٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كُلُّهُ بِالْفِضَّةِ وَلَا بِالذَّهَبِ وَلَا بِوَزْنِهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُخَلِّصَ الْفِضَّةَ مِنْ النُّحَاسِ وَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، وَفِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ غُمُوضٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُحَلَّى بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ وَالتَّفْصِيلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حِلْيَتِهِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ رِبَوِيٌّ بِجِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ مُسَاوَاةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الْعَرْضَ فَيَبْقَى الْبَاقِي مُقَابِلًا لِلرِّبَوِيِّ وَلَا تَتَحَقَّقُ مُسَاوَاتُهُ وَأَمَّا مَعَ تَمْيِيزِ الرِّبَوِيِّ وَمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ فَإِنَّمَا مَنَعُوا [مِنْهُ] إذَا ظَهَرَ فِيهِ وَجْهُ الْحِلْيَةِ أَوْ كَانَ التَّفَاضُلُ فِيهِ مُتَيَقَّنًا كَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَكْسُورَةٍ بِثَمَانِيَةٍ صِحَاحٍ وَفَلْسَيْنِ أَوْ أَلْفٍ صِحَاحٍ بِأَلْفٍ مَكْسُورَةٍ وَثَوْبٍ أَوْ أَلْفٍ صِحَاحٍ وَدِينَارٍ بِأَلْفٍ وَمِائَة مَكْسُورَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَمَّا بَيْعُهُ بِنَقْدٍ آخَرَ أَوْ بِرِبَوِيٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَكِنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِيهَا وَاحِدَةٌ فَالْخِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَبَعْضُهَا بِبَعْضٍ جُزَافًا وَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَدْرِ بِمَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ وَهَكَذَا عَلَّلَ أَهْلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمَنْعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهَا وَعِوَضُهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِرَأْسِ مَالٍ وَضَبْطِ صِفَاتِهِ وَأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ قَسْطَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ السَّلَمَ وَالصَّرْفَ مُتَقَارِبَانِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِنْسَيْنِ. فَأَمَّا بَيْعُ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ مِنْهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ نَوْعَيْ الْجِنْسِ حُكْمُ الْجِنْسَيْنِ وَهُوَ طَرِيقُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ تَوْزِيعَ الْعِوَضِ بِالْقِيمَةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ هَاهُنَا إلَى تَعَيُّنِ الْمُفَاضَلَةِ وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَاضِلِ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ هَاهُنَا وَهُوَ طَرِيقُ أَبِي بَكْرٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ فَكَذَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَالتَّقْسِيطُ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا أَوْ فِي الْجِنْسِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ بَاعَ نَوْعًا بِنَوْعٍ يَشْتَمِلُ عَلَى جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُهُ وَلَكِنْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ فِيهِ احْتِمَالًا بِالْمَنْعِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ إنْ كَانَ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ كَانَ ثَمَرًا جَازَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَنْوَاعَ الثِّمَارِ يَكْثُرُ اخْتِلَاطُهَا وَيَشُقُّ تَمْيِيزُهَا بِخِلَافِ أَنْوَاعِ النُّقُودِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالْأَصَالَةِ وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ فَهَذَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا كَتَزْوِيقِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِجِنْسِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالثَّانِي: مَا يُقْصَدُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ أَصْلًا لِمَالِ الرِّبَا كَبَيْعِ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ بِمَالٍ مِنْ جِنْسِهِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْعَبْدُ وَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوَاضِعَ مِنْ فُصُولِهِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَالثَّانِيَة: الْبِنَاءُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكُ الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي بَيْعِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ اُعْتُبِرَ لَهُ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. وَالثَّالِثَةُ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ اُعْتُبِرَ لَهُ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا اُعْتُبِرَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ وَعَدَمُهُ مُعْتَبَرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفِي الظَّاهِرِ وَهُوَ عُدُولٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَأُصُولِهِ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا لَا يُقْصَدُ وَهُوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَصْلٌ لِمَالِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بِمَا فِيهِ وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُمْكِنَ إفْرَادُ التَّابِعِ بِالْبَيْعِ كَبَيْعِ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ بِرُطَبٍ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ طَرِيقُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ أَحْكَامِهِ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ وَابْنِ بَطَّةَ وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ كَمَا سَبَقَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ، وَاشْتَرَطَ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبُ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَلِذَلِكَ شَرَطَ فِي بَيْعِ النَّخْلَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَالْأَثْرَمِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ أَيْ بِالْأَصَالَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ فِي الْأَصْلِيِّ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ مَقْصُودٌ تَبَعًا، وَالضَّرْبُ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ التَّابِعُ مِمَّا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَبَيْعِ شَاةٍ لَبُونٍ بِلَبَنٍ أَوْ ذَاتِ صُوفٍ بِصُوفٍ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بِالنَّوَى فَيَجُوزُ هَاهُنَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ حَامِدٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَعَلَّ الْمَنْعَ يَنْزِلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ مَقْصُودًا وَالْجَوَازُ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ وَقَدْ صَرَّحَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَصْدِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ الْجَوَازَ بِأَنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ مَسَائِلِ): مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ لَا يَتَقَيَّدُ بِزِيَادَةِ الْمُفْرَدِ عَلَى مَا مَعَهُ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الَّذِي لَهُ مَالٌ بِمَالٍ دُون الَّذِي مَعَهُ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالنَّوَى بِالثَّمَرِ وَكَذَلِكَ الْمَنْعُ فِيهَا مُطْلَقٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مَسَائِلِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ وَكَذَلِكَ حَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً فِي بَيْعِ الشَّاةِ ذَاتِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ بِالصُّوفِ وَاللَّبَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الشَّاةِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مَعَ قَصْدِ اللَّبَنِ وَالصُّوفِ بِالْأَصَالَةِ وَالْجَوَازِ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ حُمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَهُوَ مُتَنَزِّلٌ عَلَى أَنَّ التَّبَعِيَّةَ هَاهُنَا لَا عِبْرَةَ فِيهَا وَأَنَّ الرِّبَوِيَّ التَّابِعُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ. (وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ رَجُلٌ عَبْدَيْنِ لَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَقَعُ شَائِعًا بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ كُلِّ عَبْدٍ، وَلَا يَتَخَرَّجُ هُنَا وَجْهٌ آخَرُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ مُبْهَمًا كَالْوَصِيَّةِ وَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ تَوَجَّهَ هَذَا التَّخْرِيجُ فِيهِ. وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِنِصْفِ عَبْدَيْنِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ قُبِلَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ فَيَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِمُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَهَلْ يُسْتَحَقُّ ثُلُثُ الْبَاقِي أَوْ كُلُّهُ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهَذَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ قَبُولُ التَّفْسِيرِ بِعَبْدٍ مُفْرَدٍ مَعَ التَّعْيِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حِرَّك هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ الْعَبِيدُ وَنَحْوُهُمْ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَالْمَنْصُوصُ دُخُولُهَا. (وَمِنْهَا) إذَا رَهَنَهُ اثْنَانِ عَيْنَيْنِ أَوْ عَيْنًا لَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِمَا مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَاهُ دَارًا لَهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيْهِمَا نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْضِ الْآخَرُ أَنَّ الدَّارَ رَهْنٌ عَلَى مَا بَقِيَ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَعَلَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ [رَهْنًا] بِجَمِيعِ الْحَقِّ تَوْزِيعًا لِلْمُفْرَدِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا عَلَى الْمُفْرَدِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ عَقْدَ الِاثْنَيْنِ مَعَ الْوَاحِدِ فِي حُكْمِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مَرْهُونًا بِنِصْفِ الدَّيْنِ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا رَهَنَ صَارَ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَلَا يَنْفَكُّ الرَّهْنُ فِي نَصِيبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِجَمِيعِ مَا عَلَيْهِ، وَتَأَوَّلَهُ [أَيْضًا] فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْفَكَّ حَقُّهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِمَا ضَمِنَهُ. قَالَ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَضْمَنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا عَلَى صَاحِبِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الضَّمَانِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَقَالَ: عَلَى هَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ مِمَّنْ لَيْسَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ، وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ انْفَكَّ فِي نَصِيبِ الْمُوفِي لِلدَّيْنِ لَكِنْ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ مُقَاسَمَةُ الْمُرْتَهِنِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ لَا لِمَعْنَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ يَكُونُ كُلُّهَا رَهْنًا وَبِمِثْلِ ذَلِكَ تَأَوَّلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيمَنْ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَبْقَى جَمِيعُهُ رَهْنًا عِنْدَ الْآخَرِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الدَّارَ رَهْنٌ عَلَى مَا بَقِيَ. وَالثَّانِي: أَنَّ انْفِكَاكَ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ وَقَبْضَ صَاحِبِهِ لَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُقَاسَمَةِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يَقْبِضُ نَصِيبَهُ الْمُشْتَرَكَ مِنْ غَيْرِ اقْتِسَامٍ وَيَكُونُ قَبْضًا صَحِيحًا إذْ الْقَبْضُ يَتَأَتَّى فِي الْمُشَاعِ وَيُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ هَلْ يُعْتَقُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يُعْتَقُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا يَخُصُّهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَتَسَلَّمُ نَصِيبَهُ تَسْلِيمًا مُشَاعًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ مَنْعِ التَّسْلِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَسَلَّمُ الْعَيْنَ كُلَّهَا وَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يُؤَدِّيَا جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَأْخَذِهِ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ شَرْطِهِ وَهُوَ هَاهُنَا أَدَاءُ جَمِيعِ الْمَالِ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ أَصْلِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ لَا تَعْلِيقَ فِيهَا بِحَالٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَلَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَبَعَّضُ وَهَذَا قَدْ يَرْجِعُ إلَى الضَّمَانِ أَيْضًا كَأَنَّهُ الْتَزَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفَ عَنْهُ وَعَنْ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ تَوْزِيعًا لِلْمُفْرَدِ عَلَى الْجُمْلَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدَهُمَا أَدَاءُ جَمِيعِ الْمَالِ [لِمَا] وَقَفَ عِتْقُهُ عَلَى أَدَائِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فِي ضَمَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَنَفَيَاهُ تَارَةً وَأَثْبَتَاهُ أُخْرَى، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى قَوْمٍ حَقٌّ أَنَّهُ كَتَبَ فِي كِتَابِهِمْ أَيُّهُمْ شِئْتَ أَخَذْتُ بِحَقِّي مِنْهُ يَأْخُذُ أَيَّهُمْ شَاءَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا ضَمَانَ بَيْنَهُمْ بِدُونِ الشَّرْطِ بِكُلِّ حَالٍ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَضَعَ الْمُتَرَاهِنَانِ الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلَيْنِ وَكَانَا عَيْنَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ كَانَ مِمَّا يُقَسَّمُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهَلْ لَهُمَا انْقِسَامُهُ وَانْفِرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِفْظِ نَصِيبِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ تَوْزِيعًا لِلْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينًا عَلَى نِصْفِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ الْمَقْسُومَ الَّذِي بِيَدِهِ إلَى الْآخَرِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهَلْ يَضْمَنُهُ عَلَى احْتِمَالَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْكُلَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَذَا قَالَ الْقَاضِي. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يَضْمَنُ نِصْفَهُ أَيْضًا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ اقْتِسَامُهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ حِفْظُهُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ؛ لِأَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ إنَّمَا رَضِيَا بِحِفْظِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الِانْفِرَادُ كَالْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ الْوَدِيعَةَ لِاثْنَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِفْظِ خَاصَّةً دُونَ التَّصَرُّفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ انْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ التَّصَرُّفِ فَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: تَصَدَّقَا عَنِّي بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِنْ ثُلُثِي فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى حِدَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمَا فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَهَذَا قَدْ يَخْتَصُّ بِالصَّدَقَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالِانْفِرَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحَظُّ وَالْغِبْطَةُ وَالْكَسْبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِي الْمُخَاصَمَةِ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ الِاسْتِبْدَادُ بِهَا كَالْوَصِيَّيْنِ وَوَكِيلَيْ التَّصَرُّفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْخُصُومَةِ يَقْتَضِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ [الْقَاضِي] أَيْضًا: وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُعَيَّنُ فَاحْتِمَالَانِ يَعْنِي فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا. (وَمِنْهَا) الضَّمَانُ فَإِذَا ضَمِنَ اثْنَانِ دِيَةَ رَجُلٍ لِغَرِيمِهِ فَهَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَوْ بِالْحِصَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْجَمِيعِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا كَفِيلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ فَأَيُّهُمَا شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْهُ وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِيمَنْ قَالَ لِلرَّجُلِ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنِّي وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضُمَنَاءُ فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ دُونَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِالضَّمَانِ مَعَهُ. وَقَدْ يَكُونُ مَأْخَذُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّغْرِيرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَلْقَاهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ قِيمَتَهُ تُرَدُّ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عَالِمًا بِالْحُكْمِ أَوْ جَاهِلًا [بِهِ]. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمَانَ بِالْحِصَّةِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولُوا ضَمِنَّا لَكَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا الْأَلْفَ الَّتِي لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا مَعَ إطْلَاقِ ضَمَانِ الْأَلْفِ مِنْهُمْ بِالْحِصَّةِ وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْخِلَافِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالَيْنِ وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الضَّامِنَيْنِ فَيَصِيرُ الضَّمَانُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ الْمَضْمُونُ دَيْنًا مُتَسَاوِيًا عَلَى رَجُلَيْنِ فَهَلْ يُقَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِنِصْفِ الدَّيْنَيْنِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِأَحَدِهِمَا بِانْفِرَادٍ؟ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْمُبْهَمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَشَبِيهٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَفَلَ اثْنَيْنِ شَخْصًا لِآخَرَ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ فَهَلْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ الْآخَرُ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُمَا كَفَالَتَانِ وَالْوَثِيقَتَانِ إذَا انْحَلَّتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ تَوْفِيَةٍ بَقِيَتْ الْأُخْرَى كَالضَّامِنَيْنِ إذَا بَرِئَ أَحَدُهُمَا وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. وَالثَّانِي: يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيَةَ قَدْ وُجِدَتْ بِالتَّسْلِيمِ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ نَفْسَهُ أَوْ وَفَّى أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ الدَّيْنَ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي وَقَوْلُ الْأَزَجِيِّ فِي نِهَايَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ السَّامِرِيِّ فِي فُرُوقِهِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا إنْ كَفَلَا كَفَالَةَ الِاشْتِرَاكِ فَإِنْ قَالَا: كَفَلْنَا لَكَ زَيْدًا نُسَلِّمُهُ إلَيْكَ فَإِذَا سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُلْتَزَمَ وَاحِدٌ فَهُوَ كَأَدَاءِ أَحَدِ الضَّامِنَيْنِ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَفَلَا كَفَالَةَ انْفِرَادٍ وَاشْتِرَاكٍ بِأَنْ قَالَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَفِيلٌ لَكَ بِزَيْدٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُلْتَزِمٌ لَهُ إحْضَارًا فَلَا يَبْرَأُ بِدُونِهِ مَا دَامَ الْحَقُّ بَاقِيًا عَلَى الْمَكْفُولِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَفَلَا عَقْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي فِي ضَمَانِ الرَّجُلَيْنِ لِلدَّيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ عُقُودَ التوثقات وَالْأَمَانَاتِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى جُمَلٍ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا تَوْزِيعُ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ أَوْ أَجْزَائِهَا عَلَى أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا أَوْ عَلَى أَجْزَاءِ الْعَيْنِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا فَيُقَابَلُ كُلُّ مُفْرَدٍ لِمُفْرَدٍ أَوْ كُلُّ مُفْرَدٍ لِجُزْءٍ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ لِجُزْءٍ، وَيُمْكِنُ تَوْزِيعُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْجُمْلَةِ عَلَى مَجْمُوعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى أَوْ أَجْزَائِهَا فَيَثْبُتُ الِاشْتِرَاكُ بِالْإِشَاعَةِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَاحِدًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ التَّوْثِقَةِ وَالْأَمَانَةِ بِكَمَالِهِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ فَيَكُونُ هَاهُنَا عُقُودٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ التَّفْرِيعَ عَلَى هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ: فَأَمَّا عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ وَلَوْ قِيلَ بِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْمُتَعَاقِدِينَ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ ثَابِتًا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ لِمَالِكَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يُوصِيَ بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ يُوصِي بِهَا لِعَمْرٍو وَيَقُولُ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا لِلْعَيْنِ لِكَمَالِهَا وَيَقَعُ التَّزَاحُمُ فَيَشْتَرِكَانِ فِي قَسْمِهَا، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُوصِي أَوْ رَدَّ لَاسْتَحَقَّهَا الْآخَرُ بِكَمَالِهَا. وَالثَّانِيَة: أَنْ يَقِفَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ مَوْصُوفِينَ ثُمَّ عَلَى آخَرِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْوَقْفِ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الطَّبَقَةِ سِوَاهُ لَاسْتَحَقَّ الْوَقْفَ كُلَّهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بِنَّ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي فِيمَنْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى وَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِنْ حَدَثَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَثُ الْمَوْتِ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ يَعْنِي الْوَاقِفَ وَوَلَدِ أَوْلَادِهِمْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَا تَنَاسَلُوا وَقَدْ وَلَدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ وَقَفَ عَلَيْهِمْ أَوْلَادًا هَلْ يَدْخُلُونَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْقِسْمَةِ أَوْ يَصِيرُ هَذَا الشَّيْءَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ مَوْتِ آبَائِهِمْ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ: يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكُونُ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ بَيْنَ كُلِّ وَلَدٍ وَوَالِدِهِ لِقَوْلِهِ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ. وَجُعِلَ قَوْلُ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ مُقْتَضِيًا لِهَذَا التَّرْتِيبِ وَمُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَوَّلِ الْكَلَامِ الْمُقْتَضِي لِلتَّشْرِيكِ. وَقَدْ زَعَمَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ ثُمَّ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَلَدٍ نَصِيبُ وَالِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَهُ وَتَأَمَّلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتِهِ فَيَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَهَذَا قَدْ يَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ طَبَقَةٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ مِنْهَا بِإِطْلَاقِ الْوَاقِفِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا بِالتَّشْرِيكِ فَلَوْ تَرَكْنَا هَذَا ضَرَّتَكِ بَيْنَ الْبُطُونِ كُلِّهَا لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَحِقُّ مَعَ وَالِدِهِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ أَوَّلِ الْكَلَامِ فَاسْتِحْقَاقُ الْإِخْوَةِ هَاهُنَا مُتَلَقًّى مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ وَمِثْلُ هَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا لَمْ يَدُلَّ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: قَدْ دَلَّ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ حَيْثُ جَعَلَهُ بَعْدَ تِلْكَ الطَّبَقَةِ لِطَبَقَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَجْعَلْ لِلثَّانِيَةِ فِيهِ حَقًّا فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْأُولَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ مَا دَامَتْ مَوْجُودَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ. يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ نَفْيَ اسْتِحْقَاقِ الثَّانِيَةِ مَعَ وُجُودِ الْأُولَى لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِجَمِيعِهِ لِجَوَازِ صَرْفِهِ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ إلَّا أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَقْصُودِهِ مَا ذَكَرْنَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَوْدُهُ إلَى بَقِيَّةِ الطَّبَقَةِ مُسْتَفَادًا مِنْ مَعْنَى كَلَامِ الْوَاقِفِ، وَيُشْبِهُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ فَهَلْ يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لِأَوْلَادِهِ؟ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ تُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُهُ، ثُمَّ يُصْرَفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ تُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُهُ، ثُمَّ يُصْرَفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَذْكُورَيْنِ فِي الْكَافِي. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ مَسْلَكٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْوَقْفُ تَحْبِيسٌ لِلْمَالِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْمَصْرِفُ الْمُعَيَّنُ لِاسْتِحْقَاقِهِ فَلَا يُمْنَعُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ، وَيَقَعُ التَّزَاحُمُ فِيهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُمَلَّكَيْنِ جَمِيعَ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّمْلِيكُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْوَقْفِ أَظْهَرُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا مِنْ مَسَائِلِ التَّوْزِيعِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَبَدًا فَهَلْ يُقَالُ: لَا يَنْتَقِلُ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ أَوْلَادِهِ أَوْ يَنْتَقِلُ بَعْدَ كُلِّ وَلَدٍ إلَى وَلَدِهِ؟ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ. وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا آخَرَ بِالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ مَا رَوَاهُ عَنْهُ يُوسُفُ بْنُ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي فِي رَجُلٍ أَوْقَفَ ضَيْعَةً عَلَى أَنَّ لِعَلِيٍّ بْنِ إسْمَاعِيلَ رُبْعَ غَلَّتِهَا مَا دَامَ حَيًّا وَرُبْعًا مِنْهَا لِوَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ وَوَلَدِ مُحَمَّدٍ وَوَلَدِ أَحْمَدَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ مَاتَ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ فَوَزِّعُوا هَذَيْنِ الرُّبْعَيْنِ بَيْنَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ الثَّلَاثَةِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا كَيْفَ نَصْنَعُ بِنَصِيبِهِ يُدْفَعُ إلَى وَلَدِهِ أَوْ يُرَدُّ عَلَى شُرَكَائِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْمَيِّتُ إنْ مَاتَ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ دُفِعَ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ إنَّمَا قَالَ وَلَدُ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُدْفَعُ مَا جُعِلَ لِوَلَدِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ إلَى وَلَدِهِ فَإِنْ مَاتَ بَعْضُ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ دُفِعَ إلَى وَلَدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: بَيْنَ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَهَذَا مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ فَدَلَّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَدُ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ دُونَ طَبَقَةِ أَبِيهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ حَيْثُ ذَكَرَ [أَنَّ] ابْنَ إسْمَاعِيلَ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ وَأَنَّ بَعْضَ وَلَدِهِ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ وَنُقِلَ إلَى هَذَا الْوَلَدِ نَصِيبُ أَبِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمُشَارِكِينَ لِلْأَبِ مِنْ إخْوَتِهِ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا رَتَّبَ بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَوَلَدِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِوَلَدِهِ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الْوَلَدِ إذَا قِيلَ بِدُخُولِهِ فِي مُطْلَقِ الْوَلَدِ هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعَ الْوَلَدِ مُشْرَكًا أَوْ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْوَلَدِ كُلِّهِمْ مُرَتَّبًا تَرْتِيبَ طَبَقَةٍ عَلَى طَبَقَةٍ فَإِنَّ أَحْمَدَ جَعَلَهُ مُرَتَّبًا تَرْتِيبَ أَفْرَادٍ بَيْنَ كُلِّ وَلَدٍ وَوَلَدِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا بَيْنَ كُلِّ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ طَبَقَتِهِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَقْفَ هَاهُنَا أَوَّلًا كَانَ بَيْنَ شَخْصٍ وَوَلَدِهِ فَرُوعِيَ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي اسْتِحْقَاقِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَيْسَ فِي طَبَقَةٍ بَعْدَ طَبَقَةٍ وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ مَا يَحْسُنُ تَخْرِيجُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمِنْهَا) إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ نِسَائِهِ أَوْ عِتْقَ رَقِيقِهِ عَلَى صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَوَجَدَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ وَبَاقِيهَا مِنْ بَعْضٍ آخَرَ فَهَلْ يَكْفِي فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحِنْثِ بِوُجُودِ بَعْضِ الصِّفَةِ فَإِنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِبَعْضِ الصِّفَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ طُرُقًا ثَلَاثَةً، إحْدَاهُنَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا كَمَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَاسْتَثْنَى فِي الْجَامِعِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مُعَارِضَةً. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَكْتَفِي بِهَا وَإِنْ اكْتَفَيَا بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ وَمَشْرُوطٌ وَعِلَّةٌ وَمَعْلُولٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْأَثَرُ إلَّا عَلَى تَمَامِ الْمُؤَثِّرِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي. وَالثَّالِثَةُ: إنْ كَانَتْ الصِّفَةُ تَنْتِفِي قَطْعًا أَوْ تَبَعًا أَوْ تَصْدِيقًا أَوْ تَكْذِيبًا فَهِيَ كَالْيَمِينِ وَإِلَّا فَهِيَ عِلَّةٌ مَحْضَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا بِكَمَالِهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. وَالْقَاضِي يُفَرِّعُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَقَالَ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ: إذَا أَدَّيْتُمْ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ عَتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ: إذَا دَخَلْتُمْ الدَّارَ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ عَتَقَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ تَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهَا فَمَتَى أَدَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَتَقَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي خَطَأٌ يَقِينًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَنْعٍ وَلَا حَثٍّ انْتَهَى. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاكْتِفَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَةِ هَاهُنَا لَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَتَفَرَّعْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ لِبَعْضِ الصِّفَةِ إذْ لَوْ كَانَ التَّفْرِيعُ عَلَى ذَلِكَ لَعَتَقُوا كُلُّهُمْ بِأَدَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الْأَلْفَ وَبِدُخُولِ بَعْضِهِمْ الدَّارَ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْمُفْرَدَاتِ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ وَمَنْ أَدَّى إلَيَّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَلْفِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسْأَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِبَعْضِ الصِّفَةِ وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا التَّوْزِيعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَا لَهُ: إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ حِصَّتُهُ فَقَطْ فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ عَتَقَتْ حِصَّتُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُعْتَقَيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَتَعْلِيلُ أَبِي بَكْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ كَأَنَّهُمَا قَالَا: إنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنَّا فَنَصِيبُهُ مِنْكَ حُرٌّ، وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِوُجُودِ بَعْضِ الصِّفَةِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بِأَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَكْفِي بِبَعْضِهَا إذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ يَقْضِي حَضًّا أَوْ مَنْعًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَقُدُومِ زَيْدٍ فَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِالْبَعْضِ، وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِبَعْضِ الصِّفَةِ لِعِتْقِ الْعَبْدِ كُلِّهِ عَلَيْهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ وَجْهٌ لِعِتْقِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا. وَإِنَّمَا لَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تُمْنَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مِنْ مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ فِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ هَاهُنَا حَتَّى يَمُوتَ الْآخَرُ مِنْهُمَا فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ كُلُّهُ حِينَئِذٍ: وَالثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ وَلَا يُعْتَقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى مَوْتِهِ وَمَوْتِ شَرِيكِهِ وَلَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَكِنْ هَاهُنَا قَدْ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ مَوْتِهِمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتَوَجَّهُ إبْطَالُ التَّعْلِيقِ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ. وَمِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أَوْ كَلَّمْتُمَا زَيْدًا وَعَمْرًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَكَلَّمَتْ إحْدَاهُمَا زَيْدًا وَالْأُخْرَى عَمْرًا أَوْ دَخَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَارًا، وَقُلْنَا لَا يَكْتَفِي بِبَعْضِ الصِّفَةِ فَهَلْ تَطْلُقَانِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ الْمَذْهَبَ الْوُقُوعَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأُخْرَى تَخْرِيجًا. وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الْوُقُوعُ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ بَعْضَ الصِّفَةِ لَا يَكْفِي فِي الْحِنْثِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِبَعْضِ الصِّفَةِ. وَيَتَخَرَّجُ فِي مَسَائِلِ التَّدْبِيرِ السَّابِقَةِ أَنْ تَطْلُقَ هَاهُنَا كُلُّ وَاحِدَةٍ بِدُخُولِ الدَّارِ عَقِبَ دُخُولِهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ طَلَاقُهَا عَلَى دُخُولِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُمَا دَارًا مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ، وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ هَاهُنَا فِيمَا إذَا قَالَ لَهُمَا: إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ. وَجْهٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَطْلُقُ بِحَيْضِ نَفْسِهَا وَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ ثُبُوتُ حَيْضِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُ حَقِّهَا فِي حَيْضِهَا بِإِقْرَارِهَا. وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إنْ شِئْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَشَاءَتْ إحْدَاهُمَا، أَوْ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا تَطْلُقُ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُفَرِّعْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِوُجُودِ بَعْضِ الصِّفَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اقْتَضَتْ حَثًّا أَوْ مَنْعًا أَوْ كَانَتْ تَعْلِيقًا مَحْضًا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يُطَلَّقَا هَاهُنَا مَعًا بِوُجُودِ حَيْضِ إحْدَاهُمَا، وَمَشِيئَةِ إحْدَاهُمَا، وَالْحَلِفُ بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ أَوْ عَلَيْكُنَّ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهَلْ تُقَسَّمُ كُلُّ طَلْقَةٍ عَلَى الْأَرْبَعِ أَرْبَاعًا ثُمَّ يُكَمَّلُ فَيَقَعُ بِهِنَّ الثَّلَاثُ جَمِيعًا أَوْ يُوَزَّعُ الثَّلَاثُ عَلَى الْأَرْبَعِ فَيَلْحَقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ ثُمَّ تُكَمَّلُ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ طَلْقَةً عَلَى رِوَايَتَيْنِ: الْأُولَى: اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي: وَالثَّانِيَةُ: اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي قَالَ: لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ كَالدُّورِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا الْجُمَلُ الْمُتَسَاوِيَةُ مِنْ جِنْسٍ كَالنُّقُودِ فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بِرُءُوسِهَا وَيُكَمَّلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَأَرْبَعَةٍ لَهُمْ دِرْهَمَانِ صَحِيحَانِ يُقَسَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفٌ مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ الطَّلَقَاتُ وَيُمْكِنُ الْأَوَّلَيْنِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تَمْنَعُ الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ وَلِهَذَا قِيلَ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ: إنَّهَا بَيْعٌ وَمَتَى ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِجُزْءٍ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ قَبْلَ الْقِسْمَة تَوَجَّهَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ هَاهُنَا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ مَاتَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ وَخَلَّفَ إخْوَتَهَا أَرِقَّاءَ مَعَ عَبِيدِ آخَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ أَخٍ لَهَا بِنِسْبَةِ نَصِيبِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا لَا يَسْتَوْعِبُ قِيمَةَ الْجَمِيعِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا طُلِّقَ كُلُّهُنَّ ثَلَاثًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثَّلَاثَةَ إلَى الْجَمِيعِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ أَرْسَلَ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ. وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الثَّلَاثِ إلَيْهِنَّ لَا يُنَافِي أَنْ يُوَزِّعَ الثَّلَاثَةَ عَلَى مَجْمُوعِهِنَّ لَا عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ فَهَلْ الْمُرَادُ تَوْزِيعُ مَجْمُوعِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ بِكُلِّ صَدَقَةٍ وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ الصَّدَقَاتُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْأَصْنَافَ مِنْهَا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ تَبْغَضِينِي التَّوْفِيَةُ بِاسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ بِمَجْمُوعِ الصَّدَقَاتِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ يَسْقُطُ بِإِعْطَاءِ الْمُلَّاكِ لَهُمْ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إيجَابُ الِاسْتِيعَابِ لِصَدَقَاتِ كُلِّ عَامٍ فَيَجُوزُ تَعْوِيضُهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ آخَرَ، وَمِمَّا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الْآيَةَ هَلْ اقْتَضَتْ مُقَابَلَةَ مَجْمُوعِ الْمُظَاهِرِينَ لِمَجْمُوعِ [نِسَائِهِمْ وَتَوْزِيعِهِ مَعَ كُلِّ مُظَاهِرٍ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ مُقَابَلَةَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْمُظَاهِرِينَ مَجْمُوعَ] نِسَائِهِ الْمُظَاهَرِ مِنْهُنَّ؟ قَرَّرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُظَاهَرَةَ مِنْ جَمِيعِ الزَّوْجَاتِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُوجِبُ سِوَى كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ، أَنَّ الْمُرَادَ حُرِّمَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بَنَاتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ. فَأَمَّا الْأُمَّهَاتُ فَجَعَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَفْرَادِ بِالْأَفْرَادِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاحِدِ أُمَّانِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَاحِدَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا مَا احْتَمَلَ الْجَمْعَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ عَمَلُ حِيلَةٍ، وَالْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْكُلَّ مِمَّا قُوبِلَ فِيهِ الْوَاحِدُ بِالْوَاحِدِ وَالْجُمْلَةُ بِالْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمَعْنَى حُرِّمَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ إذْ لَوْ أُرِيدَ مُقَابَلَةُ الْوَاحِدِ بِالْجَمْعِ لَحَرَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُمَّهَاتِ الْجَمِيعِ وَبَنَاتِهِمْ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي الْبَيْعِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ مُبْهَمٌ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ مُخْتَارًا لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي الْبَيْعِ فِي خِلَافِهِ أَيْضًا يَنْزِلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَهَلْ يُقَالُ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ أَوْ بِمَرْغِينَانَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى بِالْمَزْنِيَّةِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) لَوْ قَالَ لِمُشْتَرِي سِلْعَةٍ أَشْرِكْنِي فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ فَهَلْ يَصِحُّ وَيَنْزِلُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ أَمْ لَا لِلْجَهَالَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ الصِّحَّةُ تَنْزِيلًا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ. (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ شَرِكَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ أَوْ هُوَ شَرِيكِي، وَفِيهِ وَجْهَانِ الْمَجْزُومُ فِي الْإِقْرَارِ الْإِبْهَامُ وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَوْقَعَ طَلَاقًا ثَلَاثًا بِامْرَأَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى شَرَكْتُكِ مَعَهَا فَإِنْ قُلْنَا: بِالْمُنَاصَفَةِ اقْتَضَى وُقُوعَ اثْنَتَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْإِبْهَامُ لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ ثَلَاثًا بِنَاءً عَلَى [أَنَّ] الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ. وَقَدْ يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يُمْكِنُ فِي التَّمْلِيكَاتِ دُونَ طَلَاقٍ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الِاشْتِرَاكِ فِي طَلَاقِ الْأُولَى لَا تُمْكِنُ فَحُمِلَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ نَظِيرِهِ. أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرَكَاءُ فَهَلْ يُقَالُ يَسْتَحِقُّ الشَّرِيكُ نِصْفَ مَالِهِمْ أَوْ مِثْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْبَيْعِ وَبَنَى عَلَيْهِمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَكَا ثَلَاثًا فِيهِ فَهَلْ لَهُ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَالشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ لِثَلَاثَةِ نِسْوَةٍ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً ثُمَّ قَالَ لِرَابِعَةٍ أَشْرَكْتُك مَعَهُنَّ هَلْ يَقَعُ بِهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مَا يَقَعُ اسْتِحْقَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ لِجَمِيعِ الْحَقِّ وَيَتَزَاحَمُونَ فِيهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَالثَّانِي: مَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِّ بِحِصَّتِهِ بِخَاصَّةٍ وَلِلْأَوَّلِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) الشُّفَعَاءُ الْمُجْتَمِعُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِكَمَالِهَا فَإِذَا عَفَى أَحَدُهُمْ عَنْ حَقِّهِ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ. (وَمِنْهَا) غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَا يَفِي مَالُهُ بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ وَهُمْ كَالشُّفَعَاءِ. (وَمِنْهَا) الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي النِّكَاحِ. (وَمِنْهَا) الْعَصَبَاتُ الْمُجْتَمِعُونَ فِي الْمِيرَاثِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَ اثْنَانِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرٌّ فَهَلْ يَسْتَحِقَّانِ الْمَالَ كُلَّهُ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقَّانِ جَمِيعَ الْمَالِ رَجَّحَهُ الْقَاضِي وَالسَّامِرِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَهُ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا جَمَعَ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا فَيَمْلِكُ بِهَا حُرِّيَّةَ ابْنٍ وَهُوَ مَأْخَذُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ كَمَالِ حُرِّيَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ لَا فِي نِصْفِهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ نِصْفَهُ لِمُزَاحِمَةِ أَخِيهِ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَالِ هُنَا وَهُوَ نِصْفُ حَقِّهِ مَعَ كَمَالِ حُرِّيَّتِهِ فَلَمْ يَأْخُذْ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقَّانِ الْمَالَ كُلَّهُ لِئَلَّا تَسْتَوِيَ [حَالُ] حُرِّيَّتِهِمَا الْكَامِلَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ. وَهَلْ يَسْتَحِقَّانِ نِصْفَهُ تَنْزِيلًا لَهُمَا حَالَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعه تَنْزِيلًا لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ كَانَ ابْنٌ نِصْفُهُ حُرًّا مَعَ أُمٍّ فَعَلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَتَوَجَّهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَالِ كُلِّهِ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِلْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِيهِ، قِيلَ يَأْخُذُ نِصْفَ الْبَاقِي بَعْدَ رُبْعِ الْأُمِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقِيلَ يَأْخُذُ نِصْفَ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ حَالَ كَمَالِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ هُنَا رُبْعُ السُّدُسِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي حُجِبَتْ عَنْهُ الْأُمُّ يَسْتَحِقُّهُ كُلَّهُ وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ عَلَيْهِ مَا عَدَاهُ. (وَمِنْهَا) ذُو الْفُرُوضِ الْمُجْتَمِعُونَ الْمُزْدَحِمُونَ فِي فَرْضٍ وَاحِدٍ كَالزَّوْجَاتِ وَالْجَدَّاتِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا إذَا اجْتَمَعَتْ جَدَّتَانِ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا الْأَبِ وَقُلْنَا إنَّهُ يَحْجُبُهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْأُمُّ السُّدُسَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ السُّدُسَ كُلَّهُ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمَةِ مَعَ قِيَامِ الِاسْتِحْقَاقِ لِجَمِيعِهِ، وَالثَّانِي يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ وَلَهُ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أُمَّ الْأَبِ تَحْجُبُهَا عَنْ السُّدُسِ إلَى نِصْفِهِ فَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا مَحْجُوبَةً كَمَا يَحْجُبُ وَلَدُ الْأُمِّ الْأُمَّ مَعَ انْحِجَابِهِمْ بِالْأَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ حَجْبَ الْأُمِّ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمُزَاحِمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا. وَحَجْبُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لَيْسَ بِالْمُزَاحَمَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَهَا فِي فَرْضِهَا وَإِنَّمَا وُجُودُهُمْ هُوَ مُقْتَضٍ لِتَنْقِيصِ فَرْضِهَا. وَالثَّانِي أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَهَا مَعَ أُمِّ الْأُمِّ نِصْفُ السُّدُسِ فَلَمَّا حَجَبَ الْأَبُ أُمَّهُ تَوَفَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْأُخْرَى، وَرُدَّ بِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنْ السُّدُسِ ثُمَّ لَا يَأْخُذُونَهُ بَلْ يَتَوَفَّرُ عَلَى الْأَبِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَمَّا كَانُوا مَحْجُوبِينَ بِالْأَبِ تَوَفَّرَ مَا حَجَبُوا عَنْهُ الْأُمَّ عَلَى مَنْ حَجَبَهُمْ وَهُوَ الْأَبُ كَذَلِكَ هُنَا. (وَمِنْهَا) الْوَصَايَا الْمُزْدَحِمَةُ فِي عَيْنٍ أَوْ مِقْدَارٍ مِنْ مَالٍ فَإِنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَجْمُوعِ وَصِيَّتِهِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ دُونَ ذَلِكَ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا رُدَّ بَعْضُهُمْ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ بَعْضَ الْوَصَايَا دُونَ بَعْضٍ فَهَلْ يُعْطَى الْمُجَازَ لَهُ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِلْكُلِّ أَوْ يُكْمَلُ لَهُ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّهُ إنْ أَمْكَنَ لِقِيَامِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ وَقَدْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ بِالرَّدِّ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، صَحَّحَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. الثَّانِي: وَمَنْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ قَالَ الْقَدْرُ الْمُزَاحَمُ بِهِ كَانَ حَقًّا لِلْمُزَاحِمِ فَإِذَا رَدَّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ تَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى الْوَصِيَّةِ الْأُخْرَى وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ فِيمَنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ. فَإِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ لَهُ فِيهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُ الْعَبْدِ وَثُلُثُ بَاقِي الْمَالِ وَإِنْ رَدُّوا قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَأْخُذُ صَاحِبُ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ سُدُسِ الْمَالِ كُلِّهِ مِنْ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ الْآخَرُ سُدُسَ الْعَبْدِ وَسُدُسَ بَاقِي الْمَالِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمَةِ بِالرَّدِّ فَأَمْكَنَ وُصُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى نِصْفِ مَا سَمَّى لَهُ كَامِلًا فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجْهًا آخَرَ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ يُقَسِّمُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَقْتَسِمَانِ وَصِيَّتَهُمَا حَالَ الْإِجَازَةِ فَيَفْضُلُ نَصِيبُ صَاحِبِ الثُّلُثِ عَلَى نَصِيبِ صَاحِبِ الْعَبْدِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُغْنِي تَسْوِيَةً [بَيْنَهُمَا] فِي الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ، وَفِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ هُنَاكَ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودُهُمْ بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا تَوْفِيرَ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِالْمُزَاحَمَةِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ وَرَدُّوا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَلَوْ أَعْطَيْنَا صَاحِبَ الْكُلِّ مَا رَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ لَمْ يَبْقَ فِي رَدِّهِمْ فَائِدَةٌ لَهُمْ. وَهُنَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ سِوَى الثُّلُثِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى قَدْرِهِمَا عَمَلًا بِمُرَادِ الْمُوصِي مِنْ التَّسْوِيَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ. (وَمِنْهَا) اسْتِحْقَاقُ الْغَانِمِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَتَى رَدَّ بَعْضُهُمْ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا مَلَكُوهُ بِالِاسْتِيلَاءِ أَوْ لَمْ يَمْلِكُوهُ. (وَمِنْهَا) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إذَا رَدَّ بَعْضُهُمْ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ وَقَدْ سَبَقَتْ. (وَمِنْهَا) حَدُّ الْقَذْفِ الْمَوْرُوثِ لِجَمَاعَةٍ يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاؤُهُ. وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (مِنْهَا) عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ الْمُضَافَةِ إلَى عَدَدٍ فَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالِكًا لِجَمِيعِ الْعَيْنِ. ثُمَّ هَاهُنَا حَالَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ رَجُلَيْنِ عَبْدًا أَوْ عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ فَيَقَعُ الشِّرَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ لِاثْنَيْنِ عَبْدَانِ مُفْرَدَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدًا مُعَيَّنًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ قِيمَتَيْ الْعَبْدَيْنِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمَبِيعِ نِصْفَيْنِ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا فِي عَقْدٍ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ خَالَعَهُنَّ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعًا وَهُوَ هَاهُنَا بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ مَحْضٍ فَكَيْفَ سَوَّى بِهِ الْأَمْوَالَ الْمُبْتَغَى بِهَا الْأَرْبَاحُ وَالتَّكَسُّبُ وَخَرَّجَاهُ أَيْضًا فِي الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْبَيْعِ إذْ الْكِتَابَةُ فِيهَا مَعْنَى الْعِتْقِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِثْلُ أَنْ يَهَبَ لِجَمَاعَةٍ شَيْئًا أَوْ يُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ عَنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ مُشَاعًا فِي الْكَفَّارَةِ فَقِيَاسُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ أَنَّهُمْ يَتَسَاوُونَ فِي مِلْكِهِمْ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي فِيمَا إذَا وَضَعَ طَعَامًا فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ يَدَيْ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ فَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَقَبِلُوهُ، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمْ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ دَيْنَ غُرَمَائِهِ بَيْنَهُمْ. وَالثَّانِي: وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يَجْزِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ خُذُوهَا عَنْ كَفَّارَتِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهَا. وَالثَّالِثُ وَافْتِتَاحُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حَقِّهِ أَجْزَأَ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ إذَا أَفْرَدَ سِتِّينَ مُدًّا وَقَالَ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا خُذُوهَا فَأَخَذُوهَا أَوْ قَالَ كُلُوهَا وَلَمْ يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ قَالَ قَدْ مَلَكْتُمُوهَا بِالسَّوِيَّةِ فَأَخَذُوهَا. فَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: يَجْزِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ خُذُوهَا عَنْ كَفَّارَتِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهَا وَصَلَتْ إلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَلِمَ التَّفَاضُلَ فَمَنْ حَصَلَ مَعَهُ التَّفْضِيلُ فَقَدْ أَخَذَ زِيَادَةً وَمَنْ أَخَذَ أَقَلَّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ وَصَلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَجْزِيهِ وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. انْتَهَى. فَحَكَى الْكُلَّ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي جَعَلَ الْإِجْزَاءَ مُطْلَقًا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَاعْتِبَارُ الْوُصُولِ قَوْلُ الْقَاضِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ مَا وَقَعَ فِي الْمُجَرَّدِ وَقَالَ لَعَلَّهُ وَقَعَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنِّي نَقَلْتُ مَا ذَكَرْتُهُ. قَالَ: وَلَعَلَّ مِنْ أَصْلِ الْقَاضِي بِخَطِّهِ. ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي أَنَا إنْ قُلْنَا مَلَكُوهَا بِالتَّخْلِيَةِ وَأَنَّهَا قَبْضٌ أَجْزَأَتْهُ بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ عَكْسُهُ وَإِنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تُمْلَكُ بِدُونِ قَبْضٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ عَنْهُ فِي مَسَائِلِ الْقُبُوضِ وَإِنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ تَحْقِيقِ قَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ لِمِقْدَارِ مَا يُجْزِئُ دَفْعُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِدُونِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِيجَابِ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ خُذُوا هَذَا وَهُوَ لَكُمْ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّسْوِيَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا عَلَّلَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرُوهُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. وَأَمَّا مَاحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ طَرْدِ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ قَالَ هُوَ بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ بَيْنَكُمْ أَلْبَتَّةَ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ إطْلَاقَ الْبَيِّنَةِ هَلْ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ أَمْ لَا؟ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاتَّجِرْ فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا. أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضَارَبَةِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْقَرَارِ بِشَيْءٍ أَنَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدٍ يَتَنَزَّلُ عَلَى النَّاصِفَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ صَرَّحُوا بِهِ فِي الْوَصَايَا إذَا قَالَ وَصَيْت لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بِمِائَةٍ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ قَالَ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ لَيْسَ لِلْحَيِّ إلَّا خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ وَأَنْكَرَ قَوْلَ سُفْيَانَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَصِيَّةِ يَتَنَزَّلُ عَلَى التَّسَاوِي كَمَا قَالَ بَيْنَهُمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ إطْلَاقَ الْبَيِّنَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْإِقْرَارِ وَصَاحِبَا الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ. (وَمِنْهَا) الْقِصَاصُ الْمُسْتَحَقُّ لِجَمَاعَةٍ بِقَتْلِ مَوْرُوثِهِمْ يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْحِصَّةِ فَمَنْ عَفَى مِنْهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَسَقَطَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ. وَهَاهُنَا صُوَرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي كَالْغَرَامَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى جَمَاعَةٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَالْمُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلِ آدَمِيٍّ أَوْ صَيْدٍ [مُحَرَّمٍ] أَوْ فِي وَطْءٍ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي الصِّيَامِ هَلْ يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِمْ الدِّيَاتُ وَالْجَزَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؟ وَكَذَلِكَ عُقُودُ التوثقات كَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا.
فِيهِ خِلَافٌ وَلِلْمَسْأَلَةِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ: (مِنْهَا) مِلْكُ الشَّفِيعِ إذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَثَمَّ نَخْلٌ مُؤَبَّرٌ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا. (وَمِنْهَا) مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ إذَا قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ أَمْ لَا وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ. (وَمِنْهَا) إذَا تَمَلَّكَ الْمَالِكُ لِلْأَرْضِ زَرَعَ الْغَاصِبُ بِنَفَقَتِهِ بَعْدَ بَدْوِ صَلَاحِهِ فَهَلْ يَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ أَمْ عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بَدْوِ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَمِنْهَا) الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَالْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى مُقَارَنٍ لِلْعَقْدِ فَهَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ. (وَمِنْهَا) دِيَةُ الْمَقْتُولِ هَلْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ [بَعْدَ] الْمَوْتِ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْرُوثِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا وُجِدَ فِي حَيَاتِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعْرُوفَتَيْنِ وَحَكَى ابْنُ الزاغوني فِي الْإِقْنَاعِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقِصَاصِ أَيْضًا هَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً أَوْ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ. (وَمِنْهَا) إذَا انْعَقَدَ سَبَبُ الْمِلْكِ أَوْ الضَّمَانِ فِي الْحَيَاةِ وَتَحَقَّقَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ [مَوْتِهِ] أَوْ عَثُرَ بِهَا إنْسَانٌ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ. (وَمِنْهَا) [إذَا كَاتَبَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّي إلَيْهِ شَيْئًا فَأَدَّى إلَى وَرَثَتِهِ وَعَتَقَ فَهَلْ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ الَّذِي كَاتَبَهُ لِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ الْمُؤَدَّى إلَيْهِمْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ فِي مِلْكِهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ]. (وَمِنْهَا) إذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَأَدَّى إلَيْهِ وَعَتَقَ قَبْلَ أَدَائِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ بِمَالٍ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ فَفِي وِلَايَتِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لِثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى هَذَا الْعِتْقِ فِي حَالٍ لَيْسَ مَوْلَاهُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَاسْتَقَرَّ لِمَوْلَى الْمَوْلَى: وَالثَّانِي هُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَعَتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ لِانْعِقَادِهِ لَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَرَجَّحَ فِي الْخِلَافِ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلَ قَبْلَ الثَّانِي فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْوَلَاءِ لَهُ حَيْثُ كَانَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ وَكَلَامُ أَبِي بَكْرٍ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ إذَا وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ أَوْ الْعِتْقُ الْمُنْجَزُ بِإِذْنِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْعِتْقُ عِنْدَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ كَوَلَاءِ ذَوِي رَحِمِهِ وَاَلَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْقِنُّ إذَا أُعْتِقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ مِمَّا مَلَكَهُ وَقُلْنَا بِمِلْكِهِ فَحَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنْ طَلْحَةَ الْعَاقُولِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي أَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ مُطْلَقًا وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي عَبْدٍ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَبْتَاعَ عَبْدًا أَوْ يُعْتِقَهُ أَنَّ وَلَاءَهُ لِسَيِّدِهِ وَقَالَ إذَا أَذِنُوا لَهُ فَكَأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعْتَقُونَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَعِتْقِهِ بِدُونِهِ كَمَا سَبَقَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخَرَّجًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ ثُمَّ لَيْسَ فِي نَصِّهِ أَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ سَيِّدَهُ بَاعَهُ. وَيُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي وَهَلْ يَبْتَدِئْنَ الْعِدَّةَ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ إنَّمَا انْفَسَخَ بِهِ أَوْ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَأَمَّا تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ إذَا قُلْنَا يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَأَجَازَهُ مَنْ عُقِدَ لَهُ فَهَلْ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ النَّمَاءُ لَهُ أَمْ مِنْ حِينِ الْإِجَازَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ. وَالثَّانِي: مِنْ حِينِ الْإِجَازَةِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَلَكِنَّ السَّبَبَ هُنَا غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ لِإِمْكَانِ زَوَالِهِ بِالرَّدِّ وَيَشْهَدُ لِلْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْقَاضِي صَرَّحَ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْمَحْكُومِ بِهِ وَانْعِقَادُهُ مِنْ حِينِ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ بَاطِلًا. وَيَلْتَحِقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْعِبَادَاتُ الَّتِي يَكْتَفِي بِحُصُولِ بَعْضِ شَرَائِطِهَا فِي أَثْنَاءِ وَقْتِهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي أَثْنَائِهَا فَهَلْ يُحْكَمُ لَهَا بِحُكْمِ مَا اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهَا مِنْ ابْتِدَائِهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ. (مِنْهَا) إذَا نَوَى الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ الصَّوْمَ مِنْ أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَهَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الصِّيَامِ مِنْ أَوَّلِهِ أَمْ حِينَ نَوَاهُ فَلَا يُثَابُ عَلَى صَوْمِهِ إلَّا مِنْ حِينِ النِّيَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. (وَمِنْهَا) إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَهَلْ يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَشْهَرُهُمَا الْإِجْزَاءُ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ مُرَاعًى؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ وَالِانْقِلَابِ، وَقِيلَ بَلْ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْهُ كَالْمَعْدُومِ وَيَكْتَفِي بِالْمَوْجُودِ مِنْهُ، وَقِيلَ إنْ قُلْنَا الْإِحْرَامُ شَرْطٌ مَحْضٌ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ اكْتَفَى بِالْمَوْجُودِ مِنْهُ وَإِنْ قِيلَ هُوَ رُكْنٌ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ.
فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا إلَى مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا فَيُلْغِي وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) الْوَصِيَّةُ لِمَنْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ فَيَصِيرُ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ أَوْ بِالْعَكْسِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَحْكِ الْأَكْثَرُونَ فِيهِ خِلَافًا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَلْزَمَ وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى خِلَافًا ضَعِيفًا فِي الِاعْتِبَارِ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ كَمَا حَكَى أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْعَطِيَّةَ الْمُنْجَزَةِ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (وَمِنْهَا) إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ بِشَرْطٍ فَوَجَدَ فِي مَرَضِهِ فَهَلْ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الصِّفَةُ وَاقِعَةً بِاخْتِيَارِ الْمُعَلِّقِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ كَذَا وَكَذَا وَإِنْ لَمْ أَخْرُجْ إلَى الْبَصْرَةِ وَقَالَ: لَمْ تَكُنْ لِي نِيَّةٌ فِي تَعْجِيلِ ذَلِكَ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَكُونَ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غُلَامُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا يُعْتَقُ حَتَّى يَكُونَ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ الَّذِي قَالَ، فَإِذَا طَلُقَتْ وَرِثَتْهُ وَاعْتَدَّتْ وَإِذَا عَتَقَ كَانَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهَكَذَا حُكْمُ مَا إذَا أَعْتَقَ حَمْلَ أَمَتِهِ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ وَضَعَتْهُ فِي مَرَضِهِ وَقُلْنَا لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ. (وَمِنْهَا) إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي صِحَّةٍ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ فَهَلْ تَرِثُهُ أَمْ لَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَمُهَنَّا وَالْأُخْرَى مُخَرَّجَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ قَذْفِهَا فِي الصِّحَّةِ وَمُلَاعَنَتِهَا فِي الْمَرَضِ. (وَمِنْهَا) إذَا أَوْصَى إلَيَّ فَاسِقٍ وَصَارَ عَدْلًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى الْفَاسِقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِدَارٍ ثُمَّ انْهَدَمَ بَعْضُ بِنَائِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَهَلْ يَدْخُلُ مِلْكُ الْأَنْقَاضِ فِي الْوَصِيَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَذَا الْوَجْهَانِ لَوْ زَادَ فِيهَا بِنَاءً لَمْ يَكُنْ حَالَ الْوَصِيَّةِ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ. (مِنْهَا) لَوْ قَالَ الْعَبْدُ مَتَى مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ. وَقُلْنَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ مِنْ الْحُرِّ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا فَهَلْ يُعْتَقُ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ وَصَّى الْمُكَاتَبُ بِشَيْءٍ ثُمَّ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهَلْ يَصِحُّ وَصِيَّتُهُ خَرَّجَهَا الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهَلْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا حَالَ التَّعْلِيقِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى قُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ وَهِيَ حَائِضٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا لَا بِمَعْنَى الْإِثْمِ بِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَمْرِهِ بِالْمُرَاجَعَةِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ قَدْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى طَلَاقِ الْبِدْعَةِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكِ الْأَصْحَابُ فِيهِ خِلَافًا. وَلَوْ قَالَ: إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَامَتْ وَهِيَ حَائِضٌ فَهَلْ يَكُونُ بِدْعِيًّا قَالَ فِي رِعَايَةِ الِانْتِصَارِ مُبَاحٌ وَفِي التَّرْغِيبِ بِدْعِيٌّ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالنِّكَاحِ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُقْصَدُ لِلطَّلَاقِ عَقِيبَ الْعَقْدِ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيمَنْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحِهَا هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ فَيَصِيرُ مَقْصُودًا كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَصَّ الْخِلَافَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَلَمْ يُخَرِّجْ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ فِي الْكُلِّ رِوَايَتَيْنِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَالَةُ التَّعْلِيقِ فِي نِكَاحِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ حِينَئِذٍ وَعَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى نِكَاحٍ آخَرَ يُوجَدُ فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ وَافْتِتَاحُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا فِي نِكَاحٍ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ صِفَةَ الْمُطَلَّقَةِ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَنْكِحَةِ بِإِطْلَاقِهَا وَتَعُودُ الصِّفَةُ فِيهَا فَكَيْفَ إذَا قُيِّدَتْ بِنِكَاحٍ مُعَيَّنٍ وَلَوْ عَلَّقَهُ فِي مِلْكِ يَمِينِهِ لِأَمَتِهِ عَلَى نِكَاحِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ كَالنِّكَاحِ فِي اسْتِبَاحَتِهِ الْوَطْءَ فَلَا يَكُونُ التَّعْلِيقُ كَتَعْلِيقِ نِكَاحِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ نَصَّ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا مُتَّصِلًا بِعِتْقِهَا إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا قَهْرًا فَلَمْ يَنْقَطِعْ آثَارُ الْمِلْكِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَلِكَ انْعَقَدَتْ فِيهِ الصِّفَةُ. (وَمِنْهَا) تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يُرَادُ لِلْعِتْقِ وَيَكُونُ مَقْصُودًا كَمَا فِي شِرَاءِ ذِي الرَّحِمِ وَغَيْرِهِ وَالْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ لَا يُثْبِتَانِ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي يَحْكِيَانِ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) تَعْلِيقُ النَّذْرِ بِالْمِلْكِ مِثْلُ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ. فَيَصِحُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} الْآيَاتِ. (وَمِنْهَا) تَعْلِيقُ فَسْخِ الْوَكَالَةِ عَلَى وُجُودِهَا أَوْ تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ عَلَى فَسْخِهَا كَالْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ عِنْدَنَا وَكَذَلِكَ فَسْخُهَا وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ لَازِمَةً وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُعَلِّقِ إيقَاعُ الْفَسْخِ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّوْكِيلِ وَحِلُّهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَالْعُقُودُ لَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ انْعِقَادِهَا. (وَمِنْهَا) تَعَلُّقُ فَسْخِ الْبَيْعِ بِالْإِقَالَةِ عَلَى وُجُودِ الْبَيْعِ أَوْ تَعْلِيقُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ عَلَى وُجُودِ النِّكَاحِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ قَبْلَ عَقْدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّلُ بِأَنَّ الْفُسُوخَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي بِهَذَا الْمَأْخَذِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَسْأَلَةِ: إنْ جِئْتنِي بِالثَّمَنِ إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا. أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ تَعَلُّقًا لِلْفَسْخِ عَلَى شَرْطٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي جَوَازِهِ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً فِي خِلَافِهِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا. (وَمِنْهَا) تَعْلِيقُ فَسْخِ التَّدْبِيرِ بِوُجُودِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِامْتِنَاعِهِ فِيمَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ الْمُدَبِّرَةِ: كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَقَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِهِ. فَقَالَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي تَدْبِيرٍ مَوْجُودٍ هَذَا بَعْدَ مَا خَلَقَ فَكَيْفَ يَكُونُ رُجُوعًا كَمَا لَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ مَتَى دَبَّرْتُك فَقَدْ رَجَعْت. لَمْ يَصِحَّ. هَذَا لَفْظُهُ.
هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْرَدُ الْخَاصُّ بِحُكْمِهِ وَلَا يَقْضِي بِدُخُولِهِ فِي الْعَامِّ وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالْوَصَايَا أَوْ لَا يُمْكِنُ كَالْإِقْرَارِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَلِي مِنْهَا هَذَا الْبَيْتُ قُبِلَ وَلَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتُ فِي الْإِقْرَارِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَاهُنَا أَفْرَادَ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ مُرْتَبِطَةٍ بِمَا قَبْلَهَا فَهِيَ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةٍ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَاتِ فَإِنَّهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَمَّا أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ وَمَأْخَذُ الْوُقُوعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَا ذَكَرُوهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ وَلِلْمَسَاكِينِ بِشَيْءٍ وَهُوَ مِسْكِينٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَعَ الْمَسَاكِينِ مِنْ نَصِيبِهِمْ شَيْئًا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَعَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي فِيمَا قَرَأْته بِخَطِّهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ زَيْدًا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ وَصِيَّةِ الْمَسَاكِينِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ مِسْكِينًا مَعَ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا آخَرَ بِمُشَارَكَتِهِمْ إذَا كَانَ مِسْكَيْنَا. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِخَاتَمٍ وَبِفَصِّهِ لِآخَرَ أَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَبِمَنَافِعِهِ لِآخَرَ أَوْ لِأَحَدِهِمَا بِالدَّارِ وَلِآخَرَ بِسُكْنَاهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِلَفْظٍ لَا يَقْتَضِي انْفِرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا وَصَّى لَهُ بِهِ صَرِيحًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَصَّى لَهُ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ وَأَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ السَّابِقَةِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ هَاهُنَا التَّوَقُّفُ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ قَالَ هَذِهِ مُشْكِلَةٌ فَقُلْت لَهُ فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ يَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ قَالَ لَا فَقُلْت لَهُ فَإِنْ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِغَلَّتِهَا لِآخَرَ فَقَالَ هَذِهِ مِثْلُ تِلْكَ فَقُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَوْصَى بِخَاتَمِهِ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِالْفَصِّ لِآخَرَ فَقَالَ وَهَذِهِ أَيْضًا مِثْلُ تِلْكَ وَلَمْ يُخْبِرْنِي فِيهِمْ بِشَيْءٍ فَتَوَقَّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنْكَرَ قَوْلَهُ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْعَبْدِ إذَا أَوْصَى بِهِ لِاثْنَيْنِ وَجَعَلَ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ بِالدَّارِ وَغَلَّتِهَا وَالْخَاتَمِ وَفَصِّهِ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ لِاثْنَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ فِي الْفَصِّ وَالْغَلَّةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ بِخُصُوصِهِ لَكِنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ مَأْخَذُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ رُجُوعٌ عَنْ الْأُولَى كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ فِي الْعَبْدِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِعَيْنٍ مَرَّةً لِرَجُلٍ وَمَرَّةً لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا بَلْ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ الْمَنْسُوبَةِ كَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِهِ وَوَصَّى لِآخَرَ بِقَدْرٍ مِنْهُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوَّابٍ فِي رَجُلٍ قَالَ ثُلُثَيْ هَذَا لِفُلَانٍ وَيُعْطَى فُلَانٌ مِنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ قَالَ هُوَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا قِيلَ كَيْفَ؟ قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ رَجَعَتْ إلَى الَّذِي قَالَ وَيُعْطَى هَذَا مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ وَإِذَا مَاتَ هَذَا أَوْ فَضَلَ شَيْءٌ يُرَدُّ إلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْوَصِيَّةِ بِالْمُقَدَّرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْجُزْءِ الْمَنْسُوبِ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ. وَكَتَبَ الْقَاضِي بِخَطِّهِ عَلَى حَاشِيَةِ الْجَامِعِ لِلْخَلَّالِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْمَالِ إذْ الْعُمْرُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْرُوفٌ. قَالَ وَقَدْ قِيلَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَثَلَاثَةٌ لِلْآخَرِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ انْتَهَى. وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِمَا ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ رَدَّ الْفَضْلَ عَنْ النَّفَقَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا يَبْطُلُ أَنَّهُ رُجُوعٌ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي إنَّمَا هِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَكَيْفَ تَكُونُ وَصِيَّةٌ بِالْمَالِ كُلِّهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا. فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ فِي كِتَابِهِ وَهِيَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ كَعَبْدٍ وَلِآخَرَ وَتَبِعَهُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ كَالثُّلُثِ أَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ يَزْدَحِمَانِ فِي الْمُعَيَّنِ مَعَ الْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ لِاثْنَيْنِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ، فَهَذَا قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذَا وَإِنْ حُمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ وَنُصُوصُ أَحْمَدَ وَأُصُولُهُ تُخَالِفُهُ كَنَصِّهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَبْدِ لِاثْنَيْنِ وَنَصِّهِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ وَلِجِيرَانِهِ بِشَيْءٍ وَزَيْدٌ مِنْ جِيرَانِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ شَيْئًا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ اسْتَشْكَلُوا مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ وَأَنْكَرُوهَا عَلَيْهِ وَنَسَبُوهُ إلَى التَّفَرُّدِ بِهَا. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فِي كَلَامَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ فَهَاهُنَا حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَنْ كَلَامِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَالْأَقَارِيرِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْعُقُودِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ فِي الشَّهَادَاتِ وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ الثَّانِي وَلَا الْعَقْدُ الثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَنَّ الْخَاصَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَامِّ لَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْكَلَامِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْخَاصَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَامِّ مُطْلَقًا وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ قَرِينَةً مُخَرَّجَةٍ مِنْ الْعُمُومِ مَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي دُخُولَهُ فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ دُخُولِهِ فِيهِ بِقَرِينَةٍ أَوْ مُطْلَقًا فَإِذَا تَعَارَضَ دَلَالَةُ الْعَامِّ وَدَلَالَةُ الْخَاصِّ فِي شَيْءٍ فَهَلْ تَرْجِعُ دَلَالَةُ الْخَاصِّ أَمْ يَتَسَاوَيَانِ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ دَلَالَةُ الْخَاصِّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي مَسْأَلَةِ تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَإِنْ عَلِمَ تَقَدُّمَ الْخَاصِّ حَتَّى قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ الْعَامُّ الْخَاصَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَاوٍ لَهُ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَة: أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ مُمْكِنًا كَالْوَصِيَّةِ وَعَزْلُ الْإِمَامِ لِمَنْ يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ وَوِلَايَتُهُ فَهَذَا يُشْبِهُ تَعَارُضَ الْعَامِّ الْخَاصَّ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْأَحْكَامِ وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: أَشْهَرُهُنَّ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ مُطْلَقًا وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ سَوَاءٌ جَهِلَ التَّارِيخَ أَوْ عَلِمَ. وَالثَّانِيَة: إنْ جَهِلَ التَّارِيخَ فَكَذَلِكَ وَالْإِقْدَامُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا. وَالثَّالِثَةُ إنْ عَلِمَ التَّارِيخُ عُمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ وَإِنَّ جَهِلَ تَعَارَضَا. وَيَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: إذَا اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ اسْتِحْقَاقٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ كَوَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَمِيرَاثٌ وَاسْتِحْقَاقٌ بِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالْجِهَةِ الْخَاصَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا): إذَا وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ [وَلِجِيرَانِهِ بِشَيْءٍ وَهُوَ مِنْ الْجِيرَانِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ نَصِيبِ الْجِيرَانِ. (وَمِنْهَا) إذَا وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ] وَلِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ وَزَيْدٌ فَقِيرٌ. لَا يُعْطِي مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ شَيْئًا نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الصُّورَتَيْنِ وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ الِاسْتِحْقَاقَ بِجِهَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْجِوَارِ كَمَا يَسْتَحِقُّ عَامِلُ الزَّكَاةِ الْأَخْذَ بِجِهَةِ الْفَقْرِ مَعَ الْعِمَالَةِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِأَقَارِبِهِ بِشَيْءٍ وَوَصَّى أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِإِيمَانِ فَلَا يُعْطَى مِنْ الْكَفَّارَةِ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْأَقَارِبِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ وَوَرَثَتُهُ فُقَرَاءُ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ الْوَصِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقَالَ الْوَارِثُ لَا يَصْرِفُ فِي الْمَالِ مَرَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَأْخُذُ الْوَصِيَّةَ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ الزَّائِدِ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ فَأَمَّا نَفَقَةُ الْمِثْلِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَة: إذَا اجْتَمَعَتْ صِفَاتٌ فِي عَيْنٍ فَهَلْ يَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا كَالْأَعْيَانِ فِي تَعَدُّدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ. (مِنْهَا) الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ بِالْفَقْرِ وَالْغُرْمِ وَالْغَزْوِ وَنَحْوِهِ. (وَمِنْهَا) الْأَخْذُ مِنْ الْخُمُسِ بِأَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ. (وَمِنْهَا) الْأَخْذُ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَنْذُورَةِ وَالْفَيْءِ وَالْوُقُوفِ. (وَمِنْهَا) الْمَوَارِيثُ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَالزَّوْجِ ابْنِ عَمٍّ وَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ الْجَدَّاتُ الْمُدْلِيَاتُ بِقَرَابَتَيْنِ وَالْأَرْحَامُ وَالْمَجُوسُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يُدْلِي بِنَسَبَيْنِ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمِنْهَا) فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا [فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ رَجُلًا] فَقِيهًا أَسْوَدَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ أُنْثَى طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا تَطْلُقُ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا مَعَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ مُرَادِ الْحَالِفِ أَنْتِ طَالِقٌ سَوَاءٌ وَلَدَتْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَسَوَاءٌ كَلَّمْت رَجُلًا أَوْ فَقِيهًا أَوْ أَسْوَدَ، فَيَنْزِلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْعُرْفِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ خِلَافَهُ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً إنْ وَلَدْت ذَكَرًا وَطَلْقَتَيْنِ إنْ وَلَدْت أُنْثَى فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى، إنَّمَا أَرَادَ وِلَادَةً وَاحِدَةً، وَأَنْكَرَ قَوْلَ سُفْيَانَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا، فَالْأَوَّلُ مَا عَلَّقَ وَبِهِ وَتَبَيَّنَ بِالثَّانِي وَلَا تَطْلُقُ بِهِ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا: أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ وَزَادَ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِالثَّانِي أَيْضًا. وَالْمَنْصُوصُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى حَمْلٍ وَاحِدٍ وَوِلَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَكَرًا مَرَّةً وَأُنْثَى أُخْرَى نَوَّعَ التَّعْلِيقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ هَذَا الْحَمْلَ ذَكَرًا وَأُنْثَى لَمْ يَقَعْ بِهِ الْمُعَلَّقُ بِالذِّكْرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا، بَلْ الْمُعَلَّقُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إيقَاعَ أَحَدِ الطَّلَاقَيْنِ، وَإِنَّمَا رَدَّدَهُ لِتَرَدُّدِهِ فِي كَوْنِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ أَكْثَرُ الطَّلَاقَيْنِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ تَطْلِيقُهَا بِهَذَا الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، لَكِنَّهُ أَوْقَعَ بِوِلَادَةِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، فَيَقَعُ بِهِ أَكْثَرُ الْمُعَلَّقَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَتْ الْجِهَةُ وَاحِدَةً لَمْ يَتَعَدَّدْ الِاسْتِحْقَاقُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْصَافِ الْمُدْلِيَةِ إلَيْهَا كَالْوَصِيَّةِ لِقَرَابَتِهِ إذَا أَدْلَى شَخْصٌ بِقَرَابَتَيْنِ وَالْآخَرُ بِقَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْإِخْوَةِ أَنَّهُ يَسْتَوِي الْإِخْوَةُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُشْتَرِكُونَ فِي جِهَةِ الْأُخُوَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِتَعَدُّدِ الْجِهَاتِ الْمُوصِلَةِ إلَيْهَا.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا لَهَا مَدْخَلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا: فِي الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَخَرَّجَ ابْنُ الزاغوني فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصِ فِي الْفَرَائِضِ رِوَايَةً أُخْرَى بِاشْتِرَاكِهِ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ. وَمِنْهَا: تَقْدِيمُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَمِنْهَا: تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ فِي حَمْلِ الْعَاقِلَةِ، وَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ. وَمِنْهَا: تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ أَيْضًا. وَمِنْهَا: فِي الْوَقْفِ الْمُقَدَّمِ فِيهِ بِالْقُرْبِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ، فَيَتَرَجَّحُ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الِانْفِرَادَ بِالْقَرَابَةِ كَالتَّقَدُّمِ بِدَرَجَةٍ، وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْوَقْفِ، وَقَالَ: لَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقَرَابَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَقْفِ.
وَلَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الِاسْمِ الْعَامِّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، فَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعُمُومُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ دُونَ الْبَيْضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُشْوَى، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى لَفْظِ الدَّابَّةِ وَالسَّقْفِ وَالسِّرَاجِ وَالْوَتَدِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ، دُونَ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَاءِ وَالشَّمْسِ وَالْجَبَلِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ فِيهَا هُجِرَتْ حَتَّى عَادَتْ مَجَازًا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الْعَامُّ إلَّا مُقَيَّدًا بِهِ وَلَا يُفْرَدُ بِحَالٍ، فَهَذِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَخِيَارُ شنبر وَتَمْرُ هِنْدِيٍّ لَا يَدْخُلَانِ فِي مُطْلَقِ الثَّمَرِ وَالْخِيَارِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَنَظِيرُهُ مَاءُ الْوَرْدِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الْعَامُّ لَكِنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ لَا يُذْكَرَ مَعَهُ إلَّا بِقَيْدٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَلَا يَكَادُ يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُخُولُهُ فِيهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ مِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَقَالَ الْقَاضِي يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُسَمَّى رَأْسًا مِنْ رُءُوسِ الطُّيُورِ وَالسَّمَكِ، وَنَقَلَهُ فِي مَوْضِعٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ يُعْتَبَرُ فِي تَعْمِيمِ الْخَاصِّ لَا فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرَأْسٍ يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ مُفْرَدًا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ يَمِينَهُ تَخْتَصُّ بِمَا يُسَمَّى رَأْسًا عُرْفًا، وَحَكَى ابْنُ الزاغوني فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ رَأْسٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ خَاصَّةً، وَعَزَى الْأُولَى إلَى الْخِرَقِيِّ، وَفِي التَّرْغِيبِ ذَكَرَ الْوَجْهَ الثَّانِي؛ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ يُبَاعُ مُفْرَدًا لِلْأَكْلِ عَادَةً، قَالَ فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِأَكْلِ رُءُوسِ الظِّبَاءِ حَنِثَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفِي غَيْرِهِ وَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا هَلْ الِاعْتِبَارُ بِأَصْلِ الْعَادَةِ أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ؟ انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا، فَيَحْنَثُ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَكْلِ بَيْضِ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضٍ يُزَايِلُ بَائِضَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَزَعَمَ صَاحِبُ الْكَافِي أَنَّ التَّخْصِيصَ هُنَا إنَّمَا كَانَ إضَافَةَ الْأَكْلِ إلَى الرُّءُوسِ وَالْبَيْضِ، حَيْثُ كَانَتْ الْعَادَةُ تَخْتَصُّ بَعْضَ أَنْوَاعِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ حُكْمًا سِوَى الْأَكْلِ لَعَمَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ هُوَ عَلَى نِيَّتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ إنْ نَوَى لَحْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ غَيْرِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا يَحْنَثُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِإِدْخَالِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ يَحْنَثُ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَالْحَمَّامَ يُسَمَّى بَيْتًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا يُخَالِفُ نَصَّهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي لَحْمِ السَّمَكِ، فَيُخَرَّجُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا وَجْهًا بِعَدَمِ الْحِنْثِ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ نَصِّهِ الْآتِي فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يُسَمَّى عِنْدَهُ مَالًا، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَكِبَ سَفِينَةً. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ الرَّيْحَانَ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَخْتَصُّ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى بِالرَّيْحَانِ عُرْفًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: يَحْنَثُ بِكُلِّ نَبْتٍ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ؛ لِأَنَّهُ رَيْحَانٌ حَقِيقَةً وَهَذَا يُعَاكِسُ قَوْلَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ وَالْبَيْضِ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ، فَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ بَقَرِ الْوَحْشِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، وَخَرَّجَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ. حَكَاهُمَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ وَالْخِلَافُ هَاهُنَا يَقْرُبُ أَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ، وَالْحِنْثُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَيُشْبِهُ هَذَا الْخِلَافَ لِأَصْحَابِنَا فِي مُرُورِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي هَلْ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ حَكَاهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ، هَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبِيدِهِ أَوْ أَعْتَقَهُمْ مُنْجِزًا، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ. وَأَبُو بَكْرٍ: يَتَنَاوَلُ الْقِنَّ وَالْمُدَبِّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَأَشْقَاصَهُ، وَزَادَ الْقَاضِي عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُكَاتَبِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً بِعَدَمِ دُخُولِ الْمُكَاتَبِينَ بِدُونِ نِيَّةٍ مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا فِي الْأَشْقَاصِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِي عِتْقِ الْمَمَالِيكِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ، وَمَأْخَذُهُ أَنَّهُمْ خَارِجُونَ مِنْ مُسَمَّى الرَّقِيقِ وَالْمَمْلُوكِ عُرْفًا، وَلَوْ قِيلَ إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ وَأَرَادَ الْبِرَّ أَوْ نَذْرَهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ جَمِيعِ مَالِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ الثُّلُثُ مِنْ الصَّامِتِ خَاصَّةً أَوْ مِنْ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ؟ فَقَالَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا نَوَى وَعَلَى قَدْرِ مَخْرَجِ يَمِينِهِ، وَالْأَمْوَالُ عِنْدَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ، الْأَعْرَابُ يُسَمُّونَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ الْأَمْوَالَ، وَغَيْرُهُمْ يُسَمَّى الصَّامِتَ، وَغَيْرُهُمْ الْأَرَضِينَ، فَلَوْ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ أَلَيْسَ كُنَّا نَأْخُذُ بِإِبِلِهِ أَوْ نَحْوِ هَذَا؟، قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَطْلَقَ يَرْجِعُ إلَى عُرْفِ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ النَّاذِرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ إذَا قَالَ جَارِيَتِي حُرَّةٌ إنْ لَمْ أَصْنَعْ كَذَا وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ تُعْتَقُ، وَإِذَا قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ جَارِيَتُهُ. قَالَ الْقَاضِي: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْمَالِ، قَالَ وَالْمَذْهَبُ التَّعْمِيمُ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكِ بِالتَّعْمِيمِ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا صَرِيحًا وَلَا ظَاهِرًا. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَحْنَثُ وَأَخَذُوهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، قَالَ ابْنُ الزاغوني فِي الْإِقْنَاعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَرْبِيِّ نَحْنُ لَا نَعُدُّ الدَّارَ وَالثِّيَابَ وَالْخَادِمَ مَالًا.
|